شفق نيوز/ من انكسار قلبه على انفطار (جرّة) الاهل، يملأ شروخ اطلال منازل الاجداد بحب الابناء، بكد الباصرة وكلل اللسان، بالنتاج الادبي يضمد جراح الاف السنين.

– ياترى من هو رودوس الفيلي؟

ولدت في عام 1971 في مدينة مهران، في اسرة طرفاها من عشيرتي ريزوند والكوردلي (كورد البهلة او الكوردلية)، وفي قرية (زروش شكر) التي يتوسطها جدول يفصلنا عن قرية طعان وزرباطية.

وهذا الجدول (الكلال) كان بمثابة حدود مرسومة بيننا وبين ابناء عمومتنا على الطرف الاخر من الحدود.

انا وعلى الرغم من كوني حينها طفلا الا انني كنت اتساءل مع نفسي: لماذا نحن على هذا الطرف من الجدول يسموننا: ايرانيين، والناس على الطرف الاخر منه يسمونهم: عراقيين، ونحن في كلا الطرفين نعلم بأننا اولاد عمومة ونتكلم بلغة واحدة ونمتلك ثقافة مشتركة ونعيش معا.

دعني اذكر هذا ايضا، في حرب بارزان، كان أبي جنديا ايرانيا تم تجنيده من اجل مساندة ثورة الملا مصطفى، وعندما عاد من الحرب وبعد ولادتي اطلق علي اسم مصطفى واسما اخي الذي يليني بالولادة مسعود. لانه كان يحب الملا مصطفى وكاكه مسعود بارزاني. وانا ايضا احبهما مثل جميع الفيليين، الا انني مع ذلك اخترت كنية اخرى وهي رودوس، ورودوس هذا يعني (روله دوس = محب الابناء والاهل) واخترت لقب الفيلي كاسم كبير لابناء جلدتي من الكورد الفيليين. لكي اقول باني كوردي وزوجتي التي هي رسامة وهي ايضا من الكورد الفيليين من الملكشاهية وابواها ولدا في بغداد وتم تسفيرهما الى ايران واختارت لنفسها كنية ولقب “هناس الفيلي”، كما ان اسم ابنتي هو (دلنيا) وابني (ژیار) ليعلم الناس باجمعهم باننا كورد.

ونحن نحب هذه الاسماء ونعرف عن انفسنا بها وسنبقى كذلك.

-ما الدافع الذي شجع رودوس الفيلي ليركز على اللغة والثقافة الكوردية الفيلية؟

: الغيرة والحماسة، الكثيرون عندما يرون الخراب يضرب اطنابه في بيت او قلعة او مدينة كبيرة ويحل فيها الدمار يشعرون بالالم ويطلقون الصرخات، لماذا؟ لان غيرتهم تدفعهم للاندفاع والسعي لعدم اندثار ونسيان الموروثات العظيمة وذكريات الاهل.

وانا آسى واتألم ان ارى بان شخصا لا يهتم لنسيان الكلمات والامثال والاشعار الكوردية واندثارها امام عينيه.

فانا اشعر بالاسى عندما ارى قصرا يهدم او جرة تتحطم او ضريحا يندرس، ليس الاسى فقط ما اشعر به بل ماهو اكثر من الاسى والانزعاج.

-كم نتاجا ادبيا في جعبتك؟

:أعمالي الادبية على ثلاثة انواع، الاول ما صدر لي من كتب وهي ثلاث مجاميع شعرية، تضم قصائدي وثلاثة او اربعة كتب اخرى تضم قصائد لشعراء اخرين.

والنوع الثاني ما ينشر لي في الصحف والمجلات والمواقع والفضاء المجازي كالتلغرام مثلا.

والنوع الثالث والاخير هو ما مارسته من عملي كصحفي من كتابة المقالات او المقابلات او اي شيء اخر مماثل من غير الشعر، فمنذ عقود عملت في مجلة كول سوو وموقع شفق واسبوعية صبح ايلام و ايلامشهر ومجلة اوينة الكوردية- الفارسية الشهرية و… والتي كانت لي اسهامات فيها وعملت فيها او اخرى في كثير من المواقع والصحف الكوردية الاخرى في كوردستان ايران والعراق او في اوربا.

-اين يقطن رودوس الفيلي واي مكان في كوردستان مفضل لديه ولماذا؟

: انا من مواليد مدينة مهران، التي تجاور مدن بدرة وجصان وزرباطية. وبعد اندلاع حرب الثمان سنوات بين ايران والعراق، هربنا خوفا من بطش جيش البعث الصدامي وتوجهنا الى ايلام وسكنا هناك مثل النازحين المهرانيين الاخرين. ومن ثم وخلال المرحلة الجامعية قضيت سبع سنوات في طهران الى ان تحصلت على شهادة في الهندسة المعمارية وفي السنة الثامنة عدت الى ايلام وبعدها عدت الى طهران وانا فيها منذ 15 عاما.

وجوابا للسؤال عن المكان المفضل عندي، اقول قبل ان اعثر على مكان يتعلق به قلبي، اكرر ما رواه المثل الكوردي القديم الذي ينص على :(في اي مكان ترتاح؟ ترتاح حيث تجد السعادة)

وانا سعادتي تنحصر حيث المكان الذي تملأه الكلمات والاشعار والكتابة، الان اللغة الكوردية هي وطني فقط لا ارض ولا مدينة ولا قرية ولا اي مال او املاك.

الشيء الجميل والمجهول الذي اعده هويتي لا يتكون من الحجر والثروة بل من الالم والكدح.

-ماهي رسالتك الى الناس او المثقفين من الكورد الفيليين؟

: في ظل الوضع الذي خلقته التكنولوجيا وتطرح كل يوم ما هو جديد يتوجب علينا ان نقبل الرأي القائل ان الاعمال الكوردية اصبحت صعبة جدا والاصعب منها العمل بالكوردية الفيلية.

في العراق وبسبب التعريب اصبحت الكوردية الفيلية ضعيفة جدا والشيء الوحيد الباقي هو اسم الكورد الفيليين الذي اصبح هوية مطلوبة جعلت عمل الاخوات والاخوة في العراق اصعب مائة مرة.

وفي ايران لدينا ازمة من نوع اخر فقد ابتلينا الحروب العائلية، فهاهي حرب في طريقها الى الحصول بين العوائل، الحرب التي بدأت بتحدث الاطفال باللغة الفارسية واخذ الكبار بالسعي بيد فارغة وجيب خال لعدم السماح بسقوط اعمدة وجدران لغة الكورد على المواطنين، واذا كنا منصفين فيتوجب ان نقول بان امامهم مهمة صعبة جدا، وانا مندهش من هذه الحرب العائلية وماذا يمكننا العمل بشأنها؟

في الحقيقة انا بعد خلفية من ثلاثين الى اربعين سنة من العمل الكوردي والتعرض لكل حالات الارتقاء والهوي، لا اعرف ماذا اقول؟ بشأن هذه المعضلة التي نتعرض لها وطرحتنا ارضا.

لا ادري ماذا اقول ولكني مازلت موجودا واتمنى ان يتمكن المثقفون الكورد من خلال الحداثة والعولمة ان يفعلوا شيئا، واضيف انه تبلور عندي ان معظم ابناء جيلنا لا يفهمون لغة الجيل الجديد وتجذر لديهم القلق ولايعلمون شيئا عن كونهم ليسوا ابناء هذا الزمان اذ ان هناك هوة شاسعة بينهم وبين الجيل الجديد ولا يمكن ردمها بالكلمات الرنانة.

ان البقاء داخل سجن النوستالجيا (الحنين) للقديم والسعي الحثيث لانعاش حياة الماضي ما هو الا رفسة الموت فقط كما يقال ولن يحقق اي نتيجة وفهمه صعب لانه يتوجب ان يتمكن جيلنا ان يغير نفسه ويتماشى مع الزمن الجديد قبل ان يجبرنا المجتمع او الجيل الجديد على ذلك.

يجب ان نبتعد عن التغني بامجادنا، فنحن مجبرون على التخلي عن رغباتنا ويتوجب ان نفكر بشكل اخر، فحسب.

يكمن سوء طبعنا هذا في ان علماء الاجتماع والسياسيين الكورد الفيليين مبتلون باشياء اخرى لا علاقة لها بالكورد الفيليين، فاكبر احداث العالم هو ان دنيانا مختلفة وهم لم يستطيعوا ان يكونوا جسرا بين هذين العالمين المختلفين.

من الجيد ان نعرف انه اذا لم يتغير هؤلاء فلن يكون بوسعنا نحن الصحفيين والشعراء والادباء ان نفعل شيئا، لأن المثقفين الفيليين الحقيقيين وخبراء المجتمع وعلماء النفس والسياسيين الكورد لايخدمون شعبهم وامتهم مع الأسف بل هم من اسباب مشكلاته ومعضلاته.

الشعر والشعراء لم يقولوا كلمتهم كما ينبغي.

-في المرحلة الحالية ما هي الشخصيات والجهات التي تهتم بالمسائل المتعلقة بالشأن الكوردي الفيلي، كما تفعلون انتم؟

: في السابق كانوا قليلين، ففي ايلام وكرماشان كان هنالك نوع من التقديس للعشائرية التي كانت تناوئ مصطلح “كوردي فيلي”. فكل عشيرة او قبيلة من اجل ان تدعي التفوق كانت تبحث عن تفخيم وتعظيم اسرها وعشائرها، اي انها كانت تعيش حقبة ما قبل التمدن والمعاصرة، فنحن نوعا ما كنا مبتلين ومخدرين في الماضي والحنين الى الماضي وهو ما غادرته المجتمعات وتغيرت وتركت الماضي، نحن لا نملك مجتمعا مدنيا وحضاريا ومازلنا نعيش عصر العشائر والعشائرية وعلى الرغم من اننا بدلا من الاحصنة نركب السيارات والمترو وعلى الرغم من اننا بدلا من المحاربة بالاحجار والاخشاب والصخور، نحارب بالقلم، الا اننا مازلنا لا نسعى الى ان يكون كلامنا واحاديثنا وحواراتنا باسمنا الكوردي. اننا نشبه امرأة تعاني الام المخاض قد تموت بسببها وقد تخسر جنينها او ان يولد مشوها.

مازلنا لا نريد ان نقبل بان كلمة فيلي هي اختصار لمصطلح فهلوي الذي تحولت في العربية الى بهلوي، او انه احد قاطني منطقة بهلة التاريخية العريقة.

بهلة بمعنى زاغروس وهي تسمية تطلق على الجهة الشرقية لدجلة وكانت بغداد مع المدائن مركزها وعاصمتها.

اذا لم نلجأ الى العناد والتشديد على عشائرنا وقبائلنا يتوجب ان ننظر الى المسألة بعيون مفتوحة. حينها سنتمكن ان نقبل قلبا وقالبا بان جميع العشائر والقبائل في جنوب كوردستان في ايلام وكرماشان ولكستان ولورستان وخانقين وواسط والبصرة وكرميان وكركوك وبغداد هم جميعا كورد فيليون، سواء قبلوا بذلك ام لم يقبلوا، هذا الاسم هو اسم لقومنا ولهجتنا وهويتنا.

وانا الان اتعامل بشكل سلس مع هذا الشيء لانه اصبح نوعا من الجدال وليس التحاور والبحث العلمي

حتى لا انسى اريد ان اقول ان البعض يعتقدون خطأ بان اسم الكورد الفيليين يطلق على اسرة ولاة بشتكو الاصلاء، الا انه يتوجب ان يعرفوا بان اسم كل الاسر التابعة لهم هم من السليورزية والعلوية والابوقدارية وليس الفيلية، وهم بذكائهم اطلقوا اسم الكورد الفيلية، الذي هو اسم لجميع عشائرنا وليس مختصا بهم فقط، على حكومتهم، مثلما فعل الشاه رضا الالاشتي واختار لقب بهلوي على عائلته ليحصل على مشروعية مملكته.

اقول وبكل سرور اليوم هناك العديد من المعاهد والمجالس و.. يطلق عليها اسم الكورد الفيلية وهم يعملون باخلاص لجميع الكورد ولهذا الاسم بصورة خاصة.

-رودوس الفيلي كم لغة يحسن وكم يستفاد الاديب والكاتب من اللغات الاخرى؟

: انا احسن القراءة والكتابة باللهجات الكوردية الفيلية والسورانية وافهم الهورامانية والكرمانجية بشكل جيد، والى حد ما افهم اللغة العربية واتكلم الفارسية بطلاقة، الا انني لا احسن الانجليزية التي افهم القليل منها.

وجميعنا نعرف ان اي شخص يعرف لغات اكثر كانه يتحول الى عدة اشخاص. لان كما يقال ان فلان رجل فعال وهو يعادل عدة اشخاص بارزين لعظم شخصيته وقوتها. والان الفعالية متعلقة بالعلم واي شخص يعرف لغات اكثر او يحسن برامج الكمبيوتر والذكاء الصناعي يكون اكثر فعالية من الاخرين.

اليوم من لا يحسن لغة الكومبيوتر وبرامجه كانه شخص اصم وابكم، نحن اذا كان تقدمنا بهذا الشكل فللاسف يجب ان نقول باننا لانعرف هذه اللغات ونتأخر عن الركب يوما تلو الاخر ومن الضروري الا نتخلى عما نحب.

-اين ترى الادب الكوردي بصورة عامة والادب الكوردي الفيلي في هذه الايام مقارنة بالادب العالمي او الادب في المنطقة المحيطة بنا؟

: الحقيقة هي اننا متأخرون، وليس امامنا افاق جيدة على الرغم من كثرة الحراك الذي يبذل، اتمنى ان نفعل شيئا بهذا الاتجاه.

-ماهي رسالتك الى الكورد الفيليين؟

: العمل العمل العمل والتفكير بشكل عالمي والخروج من بودقة العشائرية وحب القبيلة.

-ماذا تحب ان تقول لوكالة شفق نيوز؟

: شفق، رائدة العمل الكوردي، بثلاث لغات العربية والكوردية والانجليزية

وعلمها خفاق منذ عقود وتعمل على ان يبقى العلم الكوردي خفاقا، اشد على ايديهم، انا مدين لهم بالشكر، سلمت اياديهم.

-اي نص من نصوصك له تأثير اكبر بالنسبة لك؟ ولماذا؟

: انا احب اشعاري القصيرة كثيرا. فالمدح والذم عبر عدد قليل من الكلمات يخلق انتشاء او غضبا عند الانسان.

انا سبق وان قلت ان على مثقفينا ان يخدموا من خلال الاختصاص والمهارة التي اكتسبوها ومن هذه الاختصاصات هو التاريخ. فمؤرخونا للاسف منشغلون بالاعمال المكتبية ولم يدخلوا الميدان ليستكشفوا تاريخنا الحقيقي. ذلك التاريخ الشفاهي الذي يتم تداوله على لسان ناسنا ويقبع في ذاكرتنا جميعا.

دعني اخبركم شيئا؛ يوجد لدينا لهجات فرعية كوردية فيلية يتحدث بها ناسنا ومن بينها فرعين اساسيين: فرع يتكلمون بلهجة (أرا أرا) والثاني يتكلمون بلهجة (وەرچەوەرچە).

وكلمتي (أرا) و (وەرچە) لهما معنى واحد يعني (بۆچی) السورانية وتعني لماذا.

لنعد الى الاصل: في تاريخنا الشعبي او تاريخنا الشفاهي نرى بانه في الماضي كان يطلق على المتحدثين بهاتين اللهجتين اسم : كوردكاره (لهجة أرا) وعشيرة الكوردلية (لهجة وەرچە) وهم عشيرة (ايل كورد) او كورد البهله او الكوردلية.

وهذه المعلومات لم تذكر في بطون الكتب وهي في طريقها للنسيان والكتاب الذين زاروا مناطقنا لعدة ايام كانوا يطلقون علينا حسب اهوائهم اي اسم يختارونه، وفشلت محاولاتنا في تصويب ما ذهبوا اليه، واليوم حان الوقت لان يقوم المثقفون الفيليون بالشروع في كتابة تاريخنا منذ بدايته، اي ان نكتب تاريخنا بانفسنا.

واحد اعمالنا التي نحبها كثيرا هو احياء هذا الشيء وتوضيح علاقة الفيلي مع الفهلوي والبهلوي وهو الامر الذي تعرضت بسببه لكثير من الانتقادات والسباب ولكن اليوم لا احد يغضب لكلامهم.

ان الحراك الثقافي في الاخير سيشكل بداية للبحث ومن ثم يتحول الى حركة خاصة. وحينها لا تخشوا شيئا وامضوا بخطواتكم ومن الممكن ان يتم اعتراضكم من البعض ويشنون عليكم الهجمات وقد يضعون العراقيل امام طريقكم، وعلى الرغم من انكم ستواجهون الانتقاد والسخرية في البداية الا انهم في النهاية سينسبون ما تحققونه لانفسهم. هكذا هو حال الدنيا تجري الامور بالعكس، ويجب على مثقفينا ان يدركوا ذلك ولا ينسوه.